لماذا يترحم بعض الأهالي على تاجر مخدرات قُتل في مواجهة مع الشرطة؟
بقلم: إبراهيم العجمي كاتب وعضو الهيئة العليا لحزب العدل – محافظة أسوان

تعاطف مع تاجر مخدرات قُتل في مواجهة أمنية بأسوان.. مشهد يكشف غياب الدولة في الهامش
في منطقة الناصرية بالحكروب، التابعة لمحافظة أسوان، قُتل تاجر مخدرات خطير خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة، في عملية أسفرت أيضًا عن تصفية عدد من عناصر تشكيله العصابي. ورغم خطورة الواقعة، أثار المشهد ردود فعل متباينة، حيث أبدى بعض الأهالي تعاطفًا مع القتيل، ودعوا له بالرحمة، بل وأشادوا بسيرته بين الناس.
هذا التفاعل الشعبي، الذي قد يبدو صادمًا للبعض، لا يمكن فصله عن واقع اجتماعي شديد التعقيد تعيشه المناطق المهمشة في مصر. ففي مثل هذه البيئات، يلعب الخارجون على القانون أدوارًا اجتماعية مزدوجة. فهم ليسوا مجرد تجار سموم، بل أيضًا من يقدّمون المساعدة وقت الضيق، ويدعمون الأهالي في مناسباتهم، ويمنحون شعورًا بوجود “سند” في ظل غياب الدولة ومؤسساتها.
الناصرية، مثلها مثل العديد من المناطق المهمشة، تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية. لا صرف صحي، لا تعليم جيد، لا فرص عمل حقيقية، ولا مظلة حماية اجتماعية. في هذا الفراغ، يظهر من يقدّم الدعم، حتى وإن كان ذلك من خلال أموال غير مشروعة، مما يعيد تشكيل مفهوم “الجدعنة” و”الشهامة” بمعايير محلية بعيدة عن القانون.
العوامل القبلية أيضًا تلعب دورًا في تشكيل هذا التعاطف. في مجتمعات الصعيد، يبقى الانتماء للعائلة والقبيلة أقوى من أي تصنيف قانوني. “ابن البلد”، حتى لو كان مجرمًا، لا يُترك وحده. بل يُحتفى به أحيانًا كمن قاوم ولم يستسلم، ما يفتح الباب أمام ما يُعرف بـ”صناعة الأبطال الزائفين”.
من ناحية أخرى، تتداخل الثقافة الشعبية والدينية في المشهد، حيث يرى كثيرون أن الموت نهاية الحساب البشري وبداية الحساب الإلهي، وبالتالي يُفضَّل تجنّب الحديث السلبي عن الميت والدعاء له بالرحمة، بصرف النظر عن ماضيه.
لكن خلف هذا كله، يمكن قراءة التعاطف كرسالة سياسية صامتة: إذا غابت الدولة كراعٍ وحامٍ، سيملأ الفراغ من يستطيع، حتى لو كان تاجر مخدرات. إنها أزمة ثقة بين المواطن والدولة، تتجلى في مثل هذه اللحظات الحادة، حيث يتحول الخارج على القانون إلى فاعل بديل في مجتمع أنهكته التهميشات.
يبقى السؤال مطروحًا: هل يكفي الحل الأمني وحده لمواجهة هذه الظواهر؟ أم أن الدولة بحاجة إلى استعادة دورها الحقيقي في رعاية المواطنين، عبر سياسات تنموية عادلة تعيد بناء الجسور مع هؤلاء الذين يعيشون على أطراف الخريطة؟